قلعة بنى حماد
استخلف آل زيري بن مناد الصنهاجي عن العبيديين المغرب الذي كان يشعل نارا بالفتن الناشئة عن النزاع القائم بين العبيديين والأمويين، وما كادوا يتغلبون على الأمويين حتى بدأ الخلاف بينهم، وبعد موت بولوغين تولى ابنه المنصور الحكم بدولته الزيرية وجعل حماد على رأس أشير والمسيلة) (حتى يرد هذا الأخير قبيلته زناته المتحالفة مع الأمويين. بعد موت المنصور خلفه ابنه باديس الذي أبقى عمه حماد في عمله وأفراده فيه عام 387هـ، وكان باديس يستقدم عمه حماد على صبره ليطفئ الثورات، وفي سنة 395هـ خلفه لمحاربة زناته واشترط عليه حماد ولاية المغرب الأوسط وكل ما يتم فتحه على يديه، فقبل الشرط، وفي سنة 398هـ يختط حماد مدينته الجديدة (القلعة) وكان ينزل بها وبأشير. هكذا ظل في المغرب الأوسط يقاتل زناته وينتصر عليها في أكثر من مرة فعظم صيته، وبلغ باديس فخشي أن يخرج عن طاعته وبعد تعيين المعز باديس 403هـ ولي للعهد لأبيه، أراد المعز أن يختبر حماد فأرسل إليه بأن يتنازل له عن مدينة قسنطينة والمدن المجاورة لها فأبى حماد ذلك ودخل في حرب أسفرت في الأخير عن تأسيس الدولة الحمادية. كان آل زيري يبدون الولاء للعبيديين لكن الحقيقة كانت عكس ذلك وبدخول حماد قطع كل صلته معهم وادعى صراحة ولاءه لبني العباس. وإثر هذا جهز باديس الجيش لقتال حماد الذي استطاع الانتصار عليه، فخرج باديس شخصيا لقتال عمه حماد فانتصر عليه حتى حاصره في القلعة. وبينما كان حماد محاصراً، توفي باديس واستخلفه المعز، وسار المعز لقتال حماد سنة 408هـ وأخرجه من باغاي وجرح حماد واستطاع أن ينجو بنفسه.) ( مال حماد بعد هذه الواقعة إلى السلم وأرسل إلى المعز يعرض عليه طاعته فتم الصلح بينهما واستبقى المعز حماد على ملكه السابق. وابتداء من 408هـ تفرعت صنهاجة إلى دولتين: الدولة الزيرية التي حكمت في أفريقية والدولة الحمادية التي تولت الحكم في المغرب الأوسط، هذا الوضع المتأزم والصراع الدائم على السلطة أدى إلى عقد اتفاقيات بين طرفي النزاع مما يؤكد أهمية الإحتماء، فسمح ذلك بإيجاد طرق دفاعية لحماية العاصمة الجديدة والتي سنوضحها لاحقاً. 1- بناء قلعة بني حماد : بنيت قلعة بني حماد أو قلعة أبي الطويل في سنة 398هـ/1007م() على منحدر وعر، فوق سفوح جبل تكربوست() على الحدود الشمالية لسهول الحضنة على مسافة 36كلم من المسيلة. تميزت القلعة بمزايا إستراتيجية كبيرة أو أكثر من عاصمة الزيريين لأن حماد سارع لتحصينها وعمرها بسكان المسيلة وأولاد حمزة, إضافة أنها ازدهرت ازدهارا جعل منها قبلة لطلبة العلم، وبعد زحف عرب بني هلال على أفريقية محط سكان القيروان فاضطر أهلها للتوجه إلى القلعة، ويرجع الفضل في تطويرها إلى هؤلاء. ويذكر الإدريسي أن: <<....مدينة القلعة من أكبر البلاد قطرا وأكثرها خلقا وأغزرها خيراً وأوسعها أموالا وأحسنها قصوراً ومساكن....وهي في سند جبل سامي العلو صعب الارتفاع وقد استدار صورها بجميع الجبل ويسمى تكربوست وأعلى هذا الجبل متصل بسيط من الأرض >>.) ( يمكننا أن نتساءل لماذا لم تتخذ أشير كعاصمة للدولة الحمادية رغم ما عرفت به من إستراتيجية الموقع وحصانتها الطبيعية وكونها نقطة وصل بين الشرق والغرب، من أفريقية إلى تيهرت وعلى الطريق التي تصل تلمسان بالأوراس. فيمكن أن يكون إبعادها كعاصمة إستراتيجية يعود لكونها منطقة آهلة بالحركة ثم أن القبائل الرحل الآتية من الشرق تهددها باستمرار، والمدينة تطل على أراضي زناته إلى جانب أن أشير كانت عاصمة الزيريين، كل هذا جعل حماد في اعتقادنا يبادر بإنشاء عاصمة جديدة ليبرهن في ذلك على استقلاله التام. كما أن الموقع الجديد يقع في موطن صنهاجة وهو يعرفه جيدا بأن طبيعته قاسية ومسالكه وعرة ويكمن حمايته بسهولة وبإعداد قليلة من الجند كونه موقع محصن طبيعياً. 2- تأسيس الدولة الحمادية : بعد وفاة باديس بويع ابنه المعز 454هـ/1062م) (كخليفة لوالده الذي واصل مشواره الحربي ضد حماد إذ بمجرد وفاة باديس، قام حماد بالزحف على أشير التي خرجت على سيطرته نتيجة خيانة أهلها وكان ذلك الوقت بها كرامة الوصي المؤقت على عرش أفريقية بعد وفاة باديس، حيث تفاجأ بحماد على رأس قوة تعدادها 1500 مقاتل وقد انتهت بهزيمة كرامة وعودته إلى القيروان.) ( وبعدها بعث حماد إلى باغاية أخاه إبراهيم ليلتقي بأيوب بن يطوفت ليحمل سلام حماد، ويعلن إليه أن ما حدث كان بقضاء الله (الحرب بينهما) وأنه وأخاه على طاعة المعز بن باديس وأخبره أن حماد يطلب الصلح منه، ويبعث له من يثق به من أجل أن يخلفه ويأخذ العهود المكتوبة ليطمئن، فصدقه أيوب وبعث معه أخاه حمامة وحبوس بن القائم بن حمامة وتبعهما غلام أيوب يورين، فغدر حماد بهم وجردهما من الثياب وألبسهم ثياب رثة، وقتل غلام أيوب الذي كان عنده أعز من الولد.) ( ثم زحف حماد لمحاصرة باغاية فبلغ الخبر بذلك المعز فزحف إليه وسارع بالعساكر إلى حماد وقاتله حتى هزمه وقتل أصحابه وأسر أخاه إبراهيم) (سنة 408هـ/1017م.
ونتيجة لانهزام حماد وتفرق أصحابه عنه طلب الصلح من المعز, ولكن المعز اشترط عليه أن يبعث ابنه كضمان على صدق نواياه، فبعث حماد ابنه القائد عام408هـ/ 1017م فعقد له المعز الصلح، واستقل حماد بذلك بعمل المسيلة وطبنة ومقرة ومرسى الدجاج وسوق حمزة وزواوة، ()وزاد النويري عليها مدينة دكة.() وهكذا انتهت الحرب بينهما وانقسمت صنهاجة إلى دولتين: دولة آل زيري ودولة بني حماد ملوك القلعة. وهكذا نعتبر تاريخ 408هـ/1017م هو التاريخ الفعلي لتأسيس قلعة بني حماد بعد الاعتراف الزيري بها.